سورة الحجر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِى} يعني نساءَ القومِ، فإن نبيَّ كلِّ أمةٍ بمنزلة أبيهم أو بناتِه حقيقةً أي فتزوجوهن، وقد كانوا من قبلُ يطلبُونهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدمِ كفاءتِهم، لا لعدم مشروعية المُناكحةِ بين المسلمات والكفار وقد فُصّل ذلك في سورة هود. {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي قضاءَ الوطر أو ما أقول لكم.
{لَعَمْرُكَ} قسمٌ من الله تعالى بحياة النبي عليه الصلاة والسلام أو من الملائكة بحياة لوطٍ عليه الصلاة والسلام والتقديرُ لعَمرُك قسمي، وهي لغة في العُمُر يختص به القسم إيثاراً للخِفة لكثرة دورَانِه على الألسنة {إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} غَوايتهم أو شدة غُلْمتهم التي أزالت عقولَهم وتمييزَهم بين الخطإ والصواب {يَعْمَهُونَ} يتحيّرون ويتمادَوْن فكيف يسمعون النصح؟ وقيل: الضميرُ لقريش والجملةُ اعتراض.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي الصيحةُ العظيمة الهائلة، وقيل: صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت شروق الشمس.
{فَجَعَلْنَا عاليها} عاليَ المدينة أو عاليَ قُراهم، وهو المفعولُ الأول لجعلنا وقوله تعالى: {سَافِلَهَا} مفعول ثانٍ له وهو أدخلُ في الهول والفظاعة من العكس كما مر {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} في تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلابِ {حِجَارَةً} كائنة {مّن سِجّيلٍ} من طين متحجّر أو طينٍ عليه كتاب، وقد فصل ذلك في سورة هود.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما ذكر من القصة {لآَيَاتٍ} لعلاماتٍ يُستدل بها على حقيقة الحق {لِلْمُتَوَسّمِينَ} أي المتفكّرين المتفرّسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرِفوا حقيقة الشيء بسَمْته.
{وَإِنَّهَا} أي المدينة أو القرى {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي طريق ثابتٍ يسلُكه الناس ويرَوْن آثارها.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمرآى من الناس يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم {لآيَةً} عظيمةً {لِلْمُؤْمِنِينَ} بالله ورسولِه، فإنهم الذين يعرِفون أن ما حاق بهم من العذاب الذي ترك ديارَهم بلاقعَ إنما حاق بهم لسوء صنيعهم، وأما غيرُهم فيحمِلون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلَكية، وإفرادُ الآية بعد جمعها فيما سبق لما أن المشاهدَ هاهنا بقيةُ الآثارِ لا كلُّ القصة كما فيما سلف.


{وَإِن كَانَ} إنْ مخففةٌ من إنّ، وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ واللام هي الفارقةُ أي وإن الشأن كان {أصحاب الأيكة} وهم قومُ شعيب عليه الصلاة والسلام، والأيكةُ والليكة الشجرةُ الملتفةُ المتكاثِفة، وكان عامة شجرِهم المقل وكانوا يسكنونها فبعثه الله تعالى إليهم {لظالمين} متجاوزين عن الحد.
{فانتقمنا مِنْهُمْ} بالعذاب. روي أن الله تعالى سلط عليهم الحرَّ سبعة أيام، ثم بعث سحابة فالتجأوا إليها يلتمسون الرَّوْحَ، فبعث الله تعالى عليهم منها ناراً فأحرقتهم، فهو عذابُ يوم الظلة {وَإِنَّهُمَا} يعني سدوم والأيكة، وقيل: والأيكة ومدينَ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان مبعوثاً إليهما فذِكرُ أحدهما منبّهٌ على الآخر {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق واضحٍ، والإمام اسمُ ما يؤتمُّ به سُمِّيَ به الطريقُ ومطمر البناء واللوحُ الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به.
{وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر} يعني ثمود {المرسلين} أي صالحاً، فإن مَنْ كذب واحداً من الأنبياء عليهم السلام فقد كذب الجميعَ لاتفاقهم على التوحيد والأصولِ التي لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصار، وقيل: المراد صالحٌ ومن معه من المؤمنين، كما قيل: الخُبيبون لخبيب بن عبدِ اللَّه بن الزبير وأصحابه، وادٍ بين المدينة والشام كانوا يسكنونه.
{وءاتيناهم ءاياتنا} وهي الآياتُ المنزلة على نبيهم، أو المعجزاتُ من الناقة وسَقْيها وشِرْبها ودرّها، أو الأدلةُ المنصوبة لهم {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} إعراضاً كليًّا، بل كانوا معارضين لها حيث فعلوا بالناقة ما فعلوا.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا ءامِنِينَ} من الانهدام ونقْب اللصوص وتخريبِ الأعداء لوثاقتها، أو من العذاب لحُسبانهم أن ذلك يحميهم منه. عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْر فقال: «لا تدخُلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبَكم مثلُ ما أصاب هؤلاء» ثم زجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلّفها.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ} وهكذا وقع في سورة هود، قيل: صاح بهم جبريلُ عليه الصلاة والسلام، وقيل: أتتهم من السماء صيحةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم، وفي سورة الأعراف {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلةُ ولعلها من روادف الصيحة المستتبِعةِ لتموّج الهواء تموجاً شديداً يفضي إليها كما مر في سورة هود.


{فَمَا أغنى عَنْهُمْ} ولم يدفع عنهم ما نزل بهم {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من بناء البيوتِ الوثيقة والأموالِ الوافرة والعُدد المتكاثرة، وفيه تهكمٌ بهم، والفاء لترتيب عدمِ الإغناء الخاصِّ بوقت نزول العذابِ حسبما كانوا يرجونه لا عدمِ الإغناءِ المطلق فإنه أمرٌ مستمر.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} أي إلا خلقاً ملتبساً بالحق والحكمةِ والمصلحةِ بحيث لا يلائم استمرارَ الفساد واستقرارَ الشرور، ولذلك اقتضت الحكمةُ إهلاكَ أمثال هؤلاء دفعاً لفسادهم وإرشاداً لمن بقيَ إلى الصلاح، أو إلا بسبب العدل والإنصافِ يوم الجزاءِ على الأعمال كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} فينتقم الله تعالى لك فيها ممن كذبك {فاصفح} أي أعرض عنهم {الصفح الجميل} إعراضاً جميلاً وتحمَّلْ أذِيَّتهم ولا تعجَلْ بالانتقام منهم، وعامِلْهم معاملةَ الصَّفوح الحليم، وقيل: هي منسوخةٌ بآية السيف.
{إِنَّ رَبَّكَ} الذي يبلّغك إلى غاية الكمال {هُوَ الخلاق} لك ولهم ولسائر الموجوداتِ على الإطلاق {العليم} بأحوالك وأحوالِهم بتفاصيلها فلا يخفى عليه شيءٌ مما جرى بينك وبينهم، فهو حقيقٌ بأن تكِل جميع الأمورِ إليه ليحكُم بينكم، أو هو الذي خلقكم وعلِم تفاصيلَ أحوالِكم وقد علم أن الصفحَ اليوم أصلحُ إلى أن يكون السيفُ أصلحَ، فهو تعليلٌ للأمر بالصفح على التقديرين، وفي مصحف عثمانَ وأُبيّ رضي الله تعالى عنهما: {هو الخالق} وهو صالح للقليل والكثير والخلاقُ مختصٌّ بالكثير.
{وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا} آياتٍ وهي الفاتحةُ، وعليه عمرُ وعليٌّ وابنُ مسعود وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم، والحسنُ وأبو العالية ومجاهدٌ والضحاكُ وسعيدُ بن جبير وقَتادة رحمهم الله تعالى. وقيل: سبعُ سورٍ وهي الطوالُ التي سابعتُها الأنفالُ والتوبة فإنهما في حكم سورةٍ واحدة، ولذلك لم يُفصَلْ بينهما بالتسمية. وقيل: يونسُ أو الحواميم السبعُ. وقيل: الصحائفُ السبعُ وهي الأسباع. {مّنَ المثانى} بيانٌ للسبع من التثنية وهي التكريرُ، فإن كان المرادُ الفاتحةَ وهو الظاهرُ، فتسميتُها المثاني لتكرر قراءتِها في الصلاة، وأما تكررُ قراءتها في غير الصلاة كما قيل فليس بحيث يكون مداراً للتسمية ولأنها تثنى بما يقرأ بعدها في الصلاة، وأما تكررُ نزولها فلا يكون وجهاً للتسمية لأنها كانت مسماةً بهذا الاسمِ قبل نزولها الثاني إذ السورةُ مكيةٌ بالاتفاق، وإن كان المرادُ غيرَها من السور فوجهُ كونِها من المثاني أن كلاًّ من ذلك تُكرّر قراءتُه وألفاظُه أو قصصه ومواعظُه، أو من الثناء لاشتماله على ما هو ثناءٌ على الله واحدتها مَثْناةٌ أو مَثْنيةٌ صفة للآية، وأما الصحائفُ وهي الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القِصص والمواعظ والوعدِ والوعيد وغيرِ ذلك، ولما فيها من الثناء على الله تعالى كأنها تُثْني عليه سبحانه بأفعاله وصفاتِه الحسنى، ويجوز أن يراد بالمثاني القرآنُ لما ذكر أو لأنه مُثْنَى عليه بالإعجاز، أو كتبُ الله تعالى كلُّها فمن للتبعيض، وعلى الأول للبيان {والقرآن العظيم} إن أريد بالسبع الآياتُ أو السورُ فمِنْ عطف الكلِّ على البعض أو العام على الخاص، وإن أريد به الأسباعُ أو كلُّ القرآن فهو عطفُ أحدِ الوصفين على الآخر كما في قوله:
إلى الملكِ القَرْم وابنِ الهُمام *** وليثِ الكتائبِ في المزدَحَمْ
أي ولقد أتيناك ما يقال له السبعُ المثاني والقرآنَ العظيم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9